( الطقـوس الجنائزية : الحداد ) مناحيم روث
helme :: مكتبه الصور :: عالم الرعب
صفحة 1 من اصل 1
( الطقـوس الجنائزية : الحداد ) مناحيم روث
ف. دراد (استجواب في الإكسريس)
نحن لا نريد أن نعرف أي شيء عن الموت. لكن ما العمل؟ ما الذي يجب القيام به عندما نجد أنفسنا أمام ميت لم يعد أبدا ذلك الموت الغفل والمجهول، وإنما شخصا يشبهنا، كنا نعرفه أو كان بإمكاننا أن نتعرف عليه؟
من المفيد أن نسجل، بمثابة قاعدة عامة، أنه لا يتم ترك الأشياء للمبادرة الفردية، بل يتم تسويتها جماعيا. فهناك ممارسات وطقوس يجب احترامها. وهذه الاستعمالات التي هي من صنع الجماعة تؤدي وظيفة متعددة:
أ – الوقاية من عدوى الموت والدنس الذي يصيب أيضا الوسط المباشر للميت،
ب – إعادة تأكيد النظام الاجتماعي وإعادة تشكيل الجماعة بعد اختفاء أحد أعضائها،
ج – تقديم مساعدة فردية لأقارب الميت كي لا يقعوا تحت وطأة العزلة.
وبما أن الطقوس الجنائزية طقوس كونية، فإنها تظل من التجارب الأكثر غنى بالمعلومات المتعلقة ببنية المجموعات الاجتماعية واشتغالها.
أ – الطقـوس الجنائزيـة
بدل التطرق إلى سائر الطقوس الجنائزية التي مارسها الإنسان على امتداد التاريخ وفي كافة المجتمعات، سنكتفي باستخلاص بعض ثوابتها بغرض فهم هذه الظاهرة في مجتمعنا. فما لا يظهر في ثقافاتنا إلا بشكل مُضبب ومُقنع بالرمز والتنكر، يتجلى بكيفية أوضح في المجتمعات التقليدية.
كذلك الأمر بالنسبة لإنكار الموت الذي يولد الاعتقاد بوجود حياة أخرى تلغي الطبيعة الحتمية للموت. فتحقيق رغبات الموت هو، في آن واحد، تأمين ثان ضد طبيعة الإنسان ومصدر شعور قوي بالإثم. وبذلك سيرافق الحداد خوف كبير من الانتقام الممكن للميت.
إن الرعب من تفسخ جثة الميت هو ما يحكم الجنائز، إذ يتم العمل على:
- تعجيل ذلك التفسخ بإحراق الجثة أو أكلها من قبل أعضاء عشيرة الميت،
- أو تجنبه بواسطة تقنيات التحنيط،
- أو إبعاد الجثة بنقل الميت إلى خارج مدينة الأحياء، ما لم يفر الأحياء أنفسهم فيهجرون الأمكنة التي حدث فيها هذا الموت.
تعتبر الفترة التي تلي الموت أكثر المراحل إثارة للخوف لأن الميت يكون فيها بين حياتين، ولازال يملك سلطة معينة على الأحياء. فطوال مرحلة التفسخ التي تطابق غالبا مدة الحداد يجب الاحتياط من الميت الذي يتم الإحساس به باعتباره شنيعا وحقودا، فضلا عن تهديده بخطر العدوى. وممارسة النوعين الأخيرين من الجنائز، تجنب التفسخ وإبعاد الجثة، منتشرة جدا وتطابق رفع المحرمات والتقييدات. لقد أصبحت الجثة خالصة، ولم يبق أي أثر للروائح المقززة التي كانت علامة على عدوانية الميت وسوء نواياه.
وتعد هذه الطقوس طقوسا استرضائية. يجب إرضاء الميت بمحو الإهانة التي لحقت به وطلب العفو منه.
كما تعبر سائر الطقوس التي درسها الإثنولوجيون تشغيلا جماعيا للإواليات الدفاعية التي نجدها في ظاهرة الحداد.
ب – الحداد السيكولوجي[1]:
الحداد هو معيش فقدان كائن محبوب. ويمكن ألا يكون هذا الفقدان نهائيا، غير أننا سنقتصر هنا على حداد ما بعد الموت.
يعرف فرويد الحداد بأنه «رد فعل منتظم على فقدان شخص محبوب أو على فراق يحل مكانه». والحداد ظاهرة عادية تتم على ثلاث مراحل:
فاللحظات الأولى تتسم بالشعور بالضيق النفسي والجسدي في آن واحد. إنه حالة صدمة يرافقها موكب من التجليات الجسدية المألوفة في الأحوال العاطفية: سرعة خفقان القلب، هبوط ضغط الدم، ضغط صدري، ميل إلى الإغماء. كما يحدث أيضا فقدان لشهية الأكل والنوم.
بعد ذلك، يأتي البكاء الذي يطبع الدخول إلى المرحلة الثانية، وهي المرحلة الاكتئابية التي يبدأ فيها عمل الحداد. وهنا يجب تحقق قبول الواقع والجرح النرجسي الناجم عن فقداننا من كان ليبيدونا (نسبة إلى الليبيدو) قد استثمره إلى حد جعله جزءا لا يتجزأ من أنانا (نسبة إلى الأنا) بشكل من الأشكال.
تعتبر المرحلة الاكتئابية اكتئابا ارتكاسيا حقيقيا، إذ تقدم سماته الأربع الحقيقية، وهي: الاكتئاب المؤلم بعمق، فقدان الاهتمام بالعالم الخارجي، فقدان القدرة على المحبة، ثم الكبح السيكولوجي:
ويترتب عن هذا الموقف نتيجتان: انطواء على النفس بشكل يمكن أن يأخذ مظاهر جدول شيزوفريني، ثم الانجذاب نحو الموت. وقد تكون الطريقة الأشد تطرفا في الاتحاد مع الموضوع المفقود هي مقاسمته مصيره. وترافق هذه الحالة الاكتئابية الارتكاسية مشاعر الإحساس بالإثم والعدوان. ويطابق الزمن الذي تستغرقه هذه المرحلة الاكتئابية المدة الضرورية لنزع الاستثمار النفسي للموضوع المفقود.
آنذاك يمكن للمرحلة الثالثة، مرحلة التكيف، أن تبدأ. وهي تبدأ عندما يلتفت واضع الحداد إلى المستقبل، ويصير قادرا من جديد على التعبير عن رغباته.
طبعا، «بعد إنهاء الأنا لعملها الحدادي، فإنها تصير من جديد حرة وبدون كبح» (س. فرويد). ونحن سنحمل دائما في دواخلنا ندبة ذلك الفقدان، لكن هذا الأخير لم يعد بتاتا جرحا مفتوحا.
لقد سُجل أيضا عند نهاية الحداد استقرار رد فعل مهووس يمكن أن يعبر عن نفسه مباشرة برغبات جنسية حادة جدا أو يأخذ شكلا متساميا من خلال توسيع الاهتمامات الفكرية أو غيرها. وقد يكون ذلك نوعا من رد فعل الانتصار على الموت يفسح المجال للتعبير عن مشاعر عدوانية، إنه «استيهام الجثة الشهية» (ماريا طوروك).
ويمكن ألا يتم عمل الحداد هذا بشكل طبيعي. ونكون آنذاك أمام حدادات معقدة أو حدادات مرضية. ويمكن أن يعرف هذا النوع من الحداد ثلاث ظواهر نفسية مرضية، هي: نفي الموت، التماهي مع الميت، والشعور بالإثم. لن ندرس هنا الحدادات المرضية (يمكن الرجوع إلى م. هانوس، مرجع سابق)، بل سنهتم فيها فقط بما يتعلق برفض الموت والتعارض الوجداني اللذين توضحهما جيدا تلك الظواهر النفسية المرضية. إن موت الآخر هو أيضا دليل على أننا آيلين إلى الموت، ورفض تصديق واقع الموت هو إعطاء تكذيب لقلقنا الخاص بالموت. وللتماهي مع الميت، حسب د. لاغاش، وظيفة خاصة جدا تتمثل في حل الصراع مع الأنا الأعلى الملقى على الموت. إنها محاولة للتخفيف من إثم الحياة بواسطة تحطيم سلطة أخلاقية تشكل حاجزا أمام الحياة.
والتعارض الوجداني، هذه الازدواجية التي تطبع كل شعور بشري، يولد الشعور بالإثم. فالعدوانية الموجهة ضد الميت تجازف بالانقلاب على الأحياء، وذلك على الرغم من كون الطقوس التي تأخذ شكل ممنوعات وتكفيرات إنما هي، وفي آن واحد، واجبات تؤدي تجاه الميت وعقوبات يفرضها الأحياء على أنفسهم من أجل مداهنة الميت وملاطفته.
___________________________________________________________
Sayco
Sayco- مشرف عام
- عدد الرسائل : 352
تاريخ التسجيل : 18/04/2008
بطاقة الشخصية
ألعب: 2
helme :: مكتبه الصور :: عالم الرعب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى