مصافحة الرجال للنساء: بين الجواز والمنع
4 مشترك
مصافحة الرجال للنساء: بين الجواز والمنع
ما حُكْم مُصَافَحَةِ الرجل للمرأة الأجنبية، هل هي حلال أو حرام
بسم الله، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
تحرم مصافحة الرجل المرأة الشابَّة الأجنبية عنه ، لورود النصوص التي تفيد حرمة مصافحة النساء ، وسدًّا للذريعة إلى الفساد ، وإذا حرُم النظر وهو أخفُّ ، حرُم المسُّ والمصافَحة ، أما إذا كانت المرأة عجوزًا فأجاز بعض الفقهاء المصافحة .
وقد أفتى بعض العلماء بالجواز عند أمن الفتنة ، أو تعرض المسلم للحرج كما يحدث بين الأقارب والأصهار.
يقول الأستاذ الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر :
تكاد تتفق آراء الفقهاء على حُرْمة مُصافَحة الرجل المرأة الشابَّة الأجنبية عنه "التي ليست محرمًا له أو زوجًا" أو العكس ، ولو عند وجود الحائل ، وإن انتفت الشهوة وأُمِنَت الفتنة عند المصافَحة ، وذلك لما رُوى عن عائشة - رضي الله عنها – قالت : "ما بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة بصفق اليد ، وإنما كانت مبايعته - صلى الله عليه وسلم - النساء بالكلام" ، وفي رواية أخرى : "ما مسَّت يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدَ امرأة قط ، وإنما كان يبايعهن كلامًا" .
وقد يدَّعِي البعض أن عدم مصافحته - صلى الله عليه وسلم - النساء الأجنبيات ليس لحرمة مصافحتهن ، وإنما ذلك لخصوصيته بعدم مصافحتهن ، إلا أن هذا مردود عليه بما قاله ابن العربي : "ما رُوِي أنه - صلى الله عليه وسلم - صافحَهُنَّ على ثوبه ، أو أناب عمر بن الخطاب في مصافحتهن ، أو كلَّف امرأة وقفت على الصفا فبايعتهن ، فذلك ضعيف .
وما ينبغي التعويل عليه في ذلك ، هو ما رُوِيَ في الصحيح ، من أنه لم يصافح امرأة منهن ، وما مسَّت يده يد امرأة لا تَحِل له" ، وقد يدَّعِي البعض أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصافح العجائز في البَيْعة ، ولا يصافح الشوابَّ من النساء ، وهذا الادِّعاء باطل كذلك ، إذ دحضتْه عائشة - رضي الله عنها – بقولها : "مَن زعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسَّ امرأة أجنبية فقد أعظم الفِرْية عليه" .
فليست حُرْمة مُصافَحة الرجل المرأة الأجنبية عنه ، خاصية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما هو تشريع يُشاركه فيه جميع أفراد الأمة ، يدل لهذا الأحاديث الكثيرة ، التي ورد فيها الوعيد الشديد على مس الرجل المرأة الأجنبية عنه ، والتي يفيد عمومها أن حظْر المسِّ أو المصافحة عام ، ومن هذه النصوص ما رُوِي عن معقل بن يسار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : "لأن يُطعَن في رأس أحدِكم بمِخْيَط من حديد ، خير له من أن يَمَسَّ امرأةً لا تَحِل له" ، وما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "مَن مسَّ كف امرأة ليس منها بسبيل وُضِع على كفِّه جمرة يوم القيامة" .
وأما إذا كانت المرأة عجوزًا أو شوهاءَ أو دميمة الخِلْقة أو مريضة ، فإن المالكية والشافعية يَرَوْن حرمة مصافحةَ الرجل لها ، إلا إذا كان ثَمَّةَ حائل كثيف بين الكفين ، وأُمِنَت الفتنة عند المصافحة ، للأحاديث السابقة ، وإن كان الحنفية وبعض الحنابلة يرَوْنَ جواز مصافحة الرجل لمثل هذه المرأة ، ولو بدون حائل ، إذا أُمِنَت الفتنة عند المصافحة ؛ لما رُوِيَ "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يُصافح العجائز في البَيْعة" ، إلا أن هذا الحديث غير ثابت ، وقد روي عن عائشة - رضي الله عنها - إنكارها له ، كما سبق .
ومِن ثَمَّ فإني أرى حرمة مصافحة الرجل المرأة الأجنبية عنه ، أو العكس ، ولو كانت عجوزًا أو شوهاء أو دميمة الخِلْقة أو مريضة لعموم النصوص السابقة ، التي أفادت حرمة مصافحة النساء مطلقًا ، ولم تُخَصِّص النساء اللاتي تَحرُم مصافحتهن بكونهن شوابَّ ، فبقي حظر مصافحة النساء على عمومه ؛ ولأن لكلِّ ساقطةٍ لاقطةٌ ، فالمرأة التي قد لا يشتهيها بعض الرجال لمعنًى فيها يُقَلِّل من رغبة هؤلاء فيها ، قد يشتهيها البعض الآخر ، فينبغي المنع من مصافحتهن كذلك ، سدًّا للذريعة إلى الفساد ، إذ اللَّمْس - ومنه المُصافَحَة - أبلغ في إثارة الشهوة بين الطرَفَيْن المُتَلامِسَيْن من مجرد نظر كلٍّ منهما إلى الآخر، وإذا حرُم النظر وهو أخفُّ، حرُم المسُّ والمصافَحة بالأولى .
ولفضيلة الدكتور يوسف القرضاوي فتوى مطولة في هذه المسألة خلص فيها إلى أمرين :
الأول:أن المصافحة إنما تجوز عند عدم الشهوة ، وأمن الفتنة ، فإذا خيفت الفتنة على أحد الطرفين ، أو وجدت الشهوة والتلذذ من أحدهما حرمت المصافحة بلا شك ، بل لو فقد هذان الشرطان عدم الشهوة وأمن الفتنة بين الرجل ومحارمه مثل خالته ، أو عمته ، أو أخته من الرضاع ، أو بنت امرأته ، أو زوجة أبيه ، أو أم امرأته ، أو غير ذلك ، لكانت المصافحة حينئذ حرامًا ، بل لو فقد الشرطان بين الرجل وبين صبي أمرد، حرمت مصافحته أيضًا ، وربما كان في بعض البيئات ، ولدى بعض الناس ، أشد خطرًا من الأنثى .
الثاني:ينبغي الاقتصار في المصافحة على موضع الحاجة ، مثل الأقارب والأصهـار الذين بينهم خلطـة وصلة قوية ، ولا يحسـن التوسع في ذلك ، سدًا للذريعة ، وبعدًا عن الشبهة ، وأخذًا بالأحوط ، واقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم- ، الذي لم يثبت عنه أنه صافح امرأة أجنبية قط ، وأفضل للمسلم المتدين ، والمسلمة المتدينة ألا يبدأ أحدهما بالمصافحة ، ولكن إذا صوفح صافح .
وإنما قررنا الحكم ليعمل به من يحتاج إليه دون أن يشعر أنه فرط في دينه، ولا ينكر عليه من رآه يفعل ذلك ما دام أمرًا قابلاً للاجتهاد .
وهذا نص فتواه في هذه المسألة : المصافحة بين الجنسين .... الحكم والضوابط
ويقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر ـ رحمه الله : -
إن المصافحة بين الجنسين الأجنبيين إذا كانت بحائل فلا مانع منها، وإن كان عدمها أولى، لعدم الحاجة إليها، وقد تُؤَدِّى إلى ما هو ممنوع، أما إذا كانت بغير حائل فهي ممنوعة، والدليل على ذلك ما ورد من امتناع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن مصافحة النساء في البَيْعَة والمُعَاهَدَة .
1 ـ فقد روى مسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : والله ما مَسَّت يدُ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يد امرأة قَط، غير أنه بايَعَهُنَّ بالكلام . وروى البخاري مثله، يقول لهن:" قد بايعْتُكن كلامًا".
2 ـ وروى أحمد ومالك والترمذي والنسائي وابن ماجه أن أميمة بنت رُقَيْقَة جاءت إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في نِسوة من الأنصار لمبايعته، فقلن له : هلمَّ نبايعْك .قال سفيان : يعني صافِحْنا فقال " إني لا أصَافِحُ النِّساء، إنما قَوْلي لمائة امرأة كَقَوْلي لامرأة واحدة " .
3 ـ وروى أبو داود في مراسيله أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين بايع النساء أتى بِبُردٍ قطري فوضعه على يده وقال " لا أصافح النساء " وجاء مثل ذلك في روايات مقبولة .
فهو لم يصافح النساء بدون حائل في أمر هام جدًّا وهو المبايعة، مع سُمُوُّ أخلاقه وطهارة نِيَّتِه، والأمن من الفتنة، فمنْع المصافحة أوْلى في غير ذلك، وبين من هم دون ذلك .
هذا إلى جانب التحذير من لَمْس المرأة الأجنبية بدون ضرورة أو حاجة، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم " كُتِبَ على ابن آدم نَصِيبُه من الزِّنا " وفيه " واليد زناها البَطْش " وفسَّره النووي بأن يَمسَّ أجنبية بيده أو يُقَبِّلُهَا " صحيح مسلم ج16 ص 206 " وفي الصحيح أيضا " أن يُطْعَن أَحَدُكُمْ في رأسه بمِخْيَطٍ من حديد خيرٌ له من أن يَمسَّ امرأةً لا تَحِلُّ له " رواه البيهقي ـ ورواه الطبراني برجال ثقات رجال الصحيح " الترغيب والترهيب للمنذري ج3 ص 4 " .
والفقهاء حين منعوا هذا اللَّمس اتفقوا على أنه مُحَرَّم إذا كان عمدًا وقُصِدَتْ اللَّذة، أما إن كان غير عمْد فلا حُرْمة فيه للتجاوز عن الخطأ، وإن كان عَمْدًا ولم تُقْصَد به شهوة قال بعضهم إنه حرام أيضًا، وقال آخرون إنه مكروه فقط، كمصافحة الطاعن في السن لعجوز مثله، لكن الراجح هو التحريم .
والذين قالوا بعدم الحُرمة استندوا إلى امتناع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن مصافحتهن في البيعة والإذن لهن أن يذهبن إلى عمر ليبايعهن . فالإذن دليل على عدم الحُرْمَة، لكنَّ هذا الحديث ضعيف، كما قال ابن العربي، وذكره القرطبي في سورة الممتحنة بصيغة التمريض التي تدلُّ على عدم صحته .
فالمُعوَّل عليه هو الحديث الصحيح في منع المصافحة، وإذا كانت فاشيةً في بعض المجتمعات كتقليد للأجانب، الذي لم يقف عند حد المصافحة، بل تجاوزه إلى التقبيل والمعانقة، فالواجب التخلُّص من هذا التقليد؛ لأنه يجرُّ إلى مساوئ معلومة للجميع .
جاء في كتاب " الفقه على المذاهب الخمسة " لمؤلفه محمد جواد مغنية من كبار علماء الشيعة : أنه لا تلازم بين جواز النظر وجواز اللمس، فيَحْرُم لمس وجه المرأة وكفيها وإن جاز النظر إليهما . وقال الحنفية ـ كما في حاشية ابن عابدين ج 1 ص 284 : الشابَّة لا يجوز مسُّ وجهها وكَفيها وإن جاز النظر إليهما، أما العجوز التي لا تُشْتَهَي فلا بأس بمصافحتها ومس يدها إن أُمِنَت الشهوة . وأجاز الحنفية والإمامية مَسَّ جسد المحارم بغير شهوة وتلذُّذ . ومنع الشافعية مَسَّ كل ما يجوز النظر إليه من المحارم .
هذا في مجرد المصافحة، أما القُبلة فهي محرمة بدون خلاف، كما صح في حديث البخاري ومسلم " كُتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، فهو مدرك لا محالة، العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرِّجل زناها الخُطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويُصَدِّق ذلك الفَرْج أو يُكَذِّبُه " وفي رواية لمسلم وأبي داود " والفم يزني وزناه القُبَل " .
أما مجرد التحية بالكلام فقد منعها جماعة مُطْلَقًا، مستندين في ذلك إلى ما رواه ابن الجوزي مرفوعًا " ليس للنساء سلامٌ ولا عليهن سلامٌ " وقالوا : إن التحية بالسلام وغيره مظهر يدل على ميل مَّا بين الجنسين، وقد تُستغل لِخَلْق علاقة غير طيبة عند فساد الزمان .
لكن جمهور العلماء قالوا : إن كانت هناك فتنة بالسلام فلا يجوز الابتداء ولا الرد، وليس لها أن تُسلِّم عليه ابتداء، فإن سلَّمت فلا تستحق الرد، فإن أجابها كُره له ذلك، أما إذا لم تُخش الفتنةُ بالسلام فيجوز كالسلام على العجائز، ويستوى في ذلك التحية المباشرة أو بالمسرة أو بالخطابات .
هذا هو الحكم بين رجل واحد وامرأة واحدة، أما سلام الرجل على جمع من النساء فهو جائز، بل قيل بِنَدْبِه ويجب عليهن الرد، وذلك لعدم الفتنة، وقد مرَّ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على جماعة من النساء قعود، فأشار بيده بالتسليم . رواه ابن ماجه وأبو داود والترمذي وأحمد " الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار للنووي، والآداب الشرعية لابن مُفْلِح، وتفسير القرطبي ج5 ص 302.
والله أعلم
تحرم مصافحة الرجل المرأة الشابَّة الأجنبية عنه ، لورود النصوص التي تفيد حرمة مصافحة النساء ، وسدًّا للذريعة إلى الفساد ، وإذا حرُم النظر وهو أخفُّ ، حرُم المسُّ والمصافَحة ، أما إذا كانت المرأة عجوزًا فأجاز بعض الفقهاء المصافحة .
وقد أفتى بعض العلماء بالجواز عند أمن الفتنة ، أو تعرض المسلم للحرج كما يحدث بين الأقارب والأصهار.
يقول الأستاذ الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر :
تكاد تتفق آراء الفقهاء على حُرْمة مُصافَحة الرجل المرأة الشابَّة الأجنبية عنه "التي ليست محرمًا له أو زوجًا" أو العكس ، ولو عند وجود الحائل ، وإن انتفت الشهوة وأُمِنَت الفتنة عند المصافَحة ، وذلك لما رُوى عن عائشة - رضي الله عنها – قالت : "ما بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة بصفق اليد ، وإنما كانت مبايعته - صلى الله عليه وسلم - النساء بالكلام" ، وفي رواية أخرى : "ما مسَّت يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدَ امرأة قط ، وإنما كان يبايعهن كلامًا" .
وقد يدَّعِي البعض أن عدم مصافحته - صلى الله عليه وسلم - النساء الأجنبيات ليس لحرمة مصافحتهن ، وإنما ذلك لخصوصيته بعدم مصافحتهن ، إلا أن هذا مردود عليه بما قاله ابن العربي : "ما رُوِي أنه - صلى الله عليه وسلم - صافحَهُنَّ على ثوبه ، أو أناب عمر بن الخطاب في مصافحتهن ، أو كلَّف امرأة وقفت على الصفا فبايعتهن ، فذلك ضعيف .
وما ينبغي التعويل عليه في ذلك ، هو ما رُوِيَ في الصحيح ، من أنه لم يصافح امرأة منهن ، وما مسَّت يده يد امرأة لا تَحِل له" ، وقد يدَّعِي البعض أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصافح العجائز في البَيْعة ، ولا يصافح الشوابَّ من النساء ، وهذا الادِّعاء باطل كذلك ، إذ دحضتْه عائشة - رضي الله عنها – بقولها : "مَن زعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسَّ امرأة أجنبية فقد أعظم الفِرْية عليه" .
فليست حُرْمة مُصافَحة الرجل المرأة الأجنبية عنه ، خاصية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما هو تشريع يُشاركه فيه جميع أفراد الأمة ، يدل لهذا الأحاديث الكثيرة ، التي ورد فيها الوعيد الشديد على مس الرجل المرأة الأجنبية عنه ، والتي يفيد عمومها أن حظْر المسِّ أو المصافحة عام ، ومن هذه النصوص ما رُوِي عن معقل بن يسار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : "لأن يُطعَن في رأس أحدِكم بمِخْيَط من حديد ، خير له من أن يَمَسَّ امرأةً لا تَحِل له" ، وما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "مَن مسَّ كف امرأة ليس منها بسبيل وُضِع على كفِّه جمرة يوم القيامة" .
وأما إذا كانت المرأة عجوزًا أو شوهاءَ أو دميمة الخِلْقة أو مريضة ، فإن المالكية والشافعية يَرَوْن حرمة مصافحةَ الرجل لها ، إلا إذا كان ثَمَّةَ حائل كثيف بين الكفين ، وأُمِنَت الفتنة عند المصافحة ، للأحاديث السابقة ، وإن كان الحنفية وبعض الحنابلة يرَوْنَ جواز مصافحة الرجل لمثل هذه المرأة ، ولو بدون حائل ، إذا أُمِنَت الفتنة عند المصافحة ؛ لما رُوِيَ "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يُصافح العجائز في البَيْعة" ، إلا أن هذا الحديث غير ثابت ، وقد روي عن عائشة - رضي الله عنها - إنكارها له ، كما سبق .
ومِن ثَمَّ فإني أرى حرمة مصافحة الرجل المرأة الأجنبية عنه ، أو العكس ، ولو كانت عجوزًا أو شوهاء أو دميمة الخِلْقة أو مريضة لعموم النصوص السابقة ، التي أفادت حرمة مصافحة النساء مطلقًا ، ولم تُخَصِّص النساء اللاتي تَحرُم مصافحتهن بكونهن شوابَّ ، فبقي حظر مصافحة النساء على عمومه ؛ ولأن لكلِّ ساقطةٍ لاقطةٌ ، فالمرأة التي قد لا يشتهيها بعض الرجال لمعنًى فيها يُقَلِّل من رغبة هؤلاء فيها ، قد يشتهيها البعض الآخر ، فينبغي المنع من مصافحتهن كذلك ، سدًّا للذريعة إلى الفساد ، إذ اللَّمْس - ومنه المُصافَحَة - أبلغ في إثارة الشهوة بين الطرَفَيْن المُتَلامِسَيْن من مجرد نظر كلٍّ منهما إلى الآخر، وإذا حرُم النظر وهو أخفُّ، حرُم المسُّ والمصافَحة بالأولى .
ولفضيلة الدكتور يوسف القرضاوي فتوى مطولة في هذه المسألة خلص فيها إلى أمرين :
الأول:أن المصافحة إنما تجوز عند عدم الشهوة ، وأمن الفتنة ، فإذا خيفت الفتنة على أحد الطرفين ، أو وجدت الشهوة والتلذذ من أحدهما حرمت المصافحة بلا شك ، بل لو فقد هذان الشرطان عدم الشهوة وأمن الفتنة بين الرجل ومحارمه مثل خالته ، أو عمته ، أو أخته من الرضاع ، أو بنت امرأته ، أو زوجة أبيه ، أو أم امرأته ، أو غير ذلك ، لكانت المصافحة حينئذ حرامًا ، بل لو فقد الشرطان بين الرجل وبين صبي أمرد، حرمت مصافحته أيضًا ، وربما كان في بعض البيئات ، ولدى بعض الناس ، أشد خطرًا من الأنثى .
الثاني:ينبغي الاقتصار في المصافحة على موضع الحاجة ، مثل الأقارب والأصهـار الذين بينهم خلطـة وصلة قوية ، ولا يحسـن التوسع في ذلك ، سدًا للذريعة ، وبعدًا عن الشبهة ، وأخذًا بالأحوط ، واقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم- ، الذي لم يثبت عنه أنه صافح امرأة أجنبية قط ، وأفضل للمسلم المتدين ، والمسلمة المتدينة ألا يبدأ أحدهما بالمصافحة ، ولكن إذا صوفح صافح .
وإنما قررنا الحكم ليعمل به من يحتاج إليه دون أن يشعر أنه فرط في دينه، ولا ينكر عليه من رآه يفعل ذلك ما دام أمرًا قابلاً للاجتهاد .
وهذا نص فتواه في هذه المسألة : المصافحة بين الجنسين .... الحكم والضوابط
ويقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر ـ رحمه الله : -
إن المصافحة بين الجنسين الأجنبيين إذا كانت بحائل فلا مانع منها، وإن كان عدمها أولى، لعدم الحاجة إليها، وقد تُؤَدِّى إلى ما هو ممنوع، أما إذا كانت بغير حائل فهي ممنوعة، والدليل على ذلك ما ورد من امتناع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن مصافحة النساء في البَيْعَة والمُعَاهَدَة .
1 ـ فقد روى مسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : والله ما مَسَّت يدُ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يد امرأة قَط، غير أنه بايَعَهُنَّ بالكلام . وروى البخاري مثله، يقول لهن:" قد بايعْتُكن كلامًا".
2 ـ وروى أحمد ومالك والترمذي والنسائي وابن ماجه أن أميمة بنت رُقَيْقَة جاءت إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في نِسوة من الأنصار لمبايعته، فقلن له : هلمَّ نبايعْك .قال سفيان : يعني صافِحْنا فقال " إني لا أصَافِحُ النِّساء، إنما قَوْلي لمائة امرأة كَقَوْلي لامرأة واحدة " .
3 ـ وروى أبو داود في مراسيله أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين بايع النساء أتى بِبُردٍ قطري فوضعه على يده وقال " لا أصافح النساء " وجاء مثل ذلك في روايات مقبولة .
فهو لم يصافح النساء بدون حائل في أمر هام جدًّا وهو المبايعة، مع سُمُوُّ أخلاقه وطهارة نِيَّتِه، والأمن من الفتنة، فمنْع المصافحة أوْلى في غير ذلك، وبين من هم دون ذلك .
هذا إلى جانب التحذير من لَمْس المرأة الأجنبية بدون ضرورة أو حاجة، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم " كُتِبَ على ابن آدم نَصِيبُه من الزِّنا " وفيه " واليد زناها البَطْش " وفسَّره النووي بأن يَمسَّ أجنبية بيده أو يُقَبِّلُهَا " صحيح مسلم ج16 ص 206 " وفي الصحيح أيضا " أن يُطْعَن أَحَدُكُمْ في رأسه بمِخْيَطٍ من حديد خيرٌ له من أن يَمسَّ امرأةً لا تَحِلُّ له " رواه البيهقي ـ ورواه الطبراني برجال ثقات رجال الصحيح " الترغيب والترهيب للمنذري ج3 ص 4 " .
والفقهاء حين منعوا هذا اللَّمس اتفقوا على أنه مُحَرَّم إذا كان عمدًا وقُصِدَتْ اللَّذة، أما إن كان غير عمْد فلا حُرْمة فيه للتجاوز عن الخطأ، وإن كان عَمْدًا ولم تُقْصَد به شهوة قال بعضهم إنه حرام أيضًا، وقال آخرون إنه مكروه فقط، كمصافحة الطاعن في السن لعجوز مثله، لكن الراجح هو التحريم .
والذين قالوا بعدم الحُرمة استندوا إلى امتناع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن مصافحتهن في البيعة والإذن لهن أن يذهبن إلى عمر ليبايعهن . فالإذن دليل على عدم الحُرْمَة، لكنَّ هذا الحديث ضعيف، كما قال ابن العربي، وذكره القرطبي في سورة الممتحنة بصيغة التمريض التي تدلُّ على عدم صحته .
فالمُعوَّل عليه هو الحديث الصحيح في منع المصافحة، وإذا كانت فاشيةً في بعض المجتمعات كتقليد للأجانب، الذي لم يقف عند حد المصافحة، بل تجاوزه إلى التقبيل والمعانقة، فالواجب التخلُّص من هذا التقليد؛ لأنه يجرُّ إلى مساوئ معلومة للجميع .
جاء في كتاب " الفقه على المذاهب الخمسة " لمؤلفه محمد جواد مغنية من كبار علماء الشيعة : أنه لا تلازم بين جواز النظر وجواز اللمس، فيَحْرُم لمس وجه المرأة وكفيها وإن جاز النظر إليهما . وقال الحنفية ـ كما في حاشية ابن عابدين ج 1 ص 284 : الشابَّة لا يجوز مسُّ وجهها وكَفيها وإن جاز النظر إليهما، أما العجوز التي لا تُشْتَهَي فلا بأس بمصافحتها ومس يدها إن أُمِنَت الشهوة . وأجاز الحنفية والإمامية مَسَّ جسد المحارم بغير شهوة وتلذُّذ . ومنع الشافعية مَسَّ كل ما يجوز النظر إليه من المحارم .
هذا في مجرد المصافحة، أما القُبلة فهي محرمة بدون خلاف، كما صح في حديث البخاري ومسلم " كُتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، فهو مدرك لا محالة، العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرِّجل زناها الخُطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويُصَدِّق ذلك الفَرْج أو يُكَذِّبُه " وفي رواية لمسلم وأبي داود " والفم يزني وزناه القُبَل " .
أما مجرد التحية بالكلام فقد منعها جماعة مُطْلَقًا، مستندين في ذلك إلى ما رواه ابن الجوزي مرفوعًا " ليس للنساء سلامٌ ولا عليهن سلامٌ " وقالوا : إن التحية بالسلام وغيره مظهر يدل على ميل مَّا بين الجنسين، وقد تُستغل لِخَلْق علاقة غير طيبة عند فساد الزمان .
لكن جمهور العلماء قالوا : إن كانت هناك فتنة بالسلام فلا يجوز الابتداء ولا الرد، وليس لها أن تُسلِّم عليه ابتداء، فإن سلَّمت فلا تستحق الرد، فإن أجابها كُره له ذلك، أما إذا لم تُخش الفتنةُ بالسلام فيجوز كالسلام على العجائز، ويستوى في ذلك التحية المباشرة أو بالمسرة أو بالخطابات .
هذا هو الحكم بين رجل واحد وامرأة واحدة، أما سلام الرجل على جمع من النساء فهو جائز، بل قيل بِنَدْبِه ويجب عليهن الرد، وذلك لعدم الفتنة، وقد مرَّ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على جماعة من النساء قعود، فأشار بيده بالتسليم . رواه ابن ماجه وأبو داود والترمذي وأحمد " الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار للنووي، والآداب الشرعية لابن مُفْلِح، وتفسير القرطبي ج5 ص 302.
والله أعلم
quiet angel- مشرف القسم الأسلامي
- عدد الرسائل : 469
العمر : 35
تاريخ التسجيل : 31/03/2008
رد: مصافحة الرجال للنساء: بين الجواز والمنع
quiet angel شكرا يا
بجد جزاكى الله كل خير وكلامك بياكد ان الدين الاسلامى دين حنيف وبيدعو للعفه
بجد جزاكى الله كل خير وكلامك بياكد ان الدين الاسلامى دين حنيف وبيدعو للعفه
semsema- عضو نشيط
- عدد الرسائل : 124
العمر : 36
تاريخ التسجيل : 28/09/2008
بطاقة الشخصية
ألعب: 2
رد: مصافحة الرجال للنساء: بين الجواز والمنع
السلام عليكم
موضوع قيم ومفيدا جدا جزاكى الله خيرا
موضوع قيم ومفيدا جدا جزاكى الله خيرا
عمرو غيضان- مشرف القسم الطبي
- عدد الرسائل : 152
تاريخ التسجيل : 22/03/2008
رد: مصافحة الرجال للنساء: بين الجواز والمنع
جزاكى الله خيرااااااااااااا
taison- مساعد مدير
- عدد الرسائل : 897
العمر : 37
تاريخ التسجيل : 27/03/2008
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى